الابحار الاول – مقدمة كتاب المحو

قمت بنشر  هذه المدونات الثلاث التي سلمت من الاتلاف ووضعتها في بداية الموقع رغم ان المدونين الثلاثة قد ارخوها بتواريخ متأخرة على باقي المدونات .و كأنها نهاية لما كتبوا . وانت ايها المتصفح ربما قد استنتجت من خلال نهايتها الحزينة بان الاصدقاء الثلاثة قد لاقوا حتفهم و دفنوا في مقبرة جماعية في مكان ما من المناطق الصحراوية التي كانت محيطة بالبصرة على يد جنود كلفوا بإعدامهم مع مجموعات اخرى من المعتقلين . و لكوني قد قرات باقي المدونات التي لم تطلع عليها انت حتى الان ، فأود مكاشفتك اني لا ازال غير مقتنع بالترتيب الزمني المثبت على متنها  ، والذي لم يكن ليثير اي شك لولا عملية الاتلاف الالكتروني التي قامت بها  أيدٍ خبيثةٌ تعمدت تغيبها عن شبكة النت . لكني اعدك ايها المتصفح الصبور ان انشرها تباعا رغم ان الشكوك بدأت تقلقني اكثر فاكثر بان يداً ماهرة في التزييف قد عبثت بمحتوى النصوص فما قراته انت معي لا يوحي الا بان شخصا واحدا هو من كتب ثلاث مدونات ، فمما لا يخفى على حسك الادبي ونباهتك اللغوية بان اسلوب المدونات الثلاث متشابه جدا . ربما قام احد الاصدقاء الثلاثة بكتابة  قصص رفاقه بعد ان سردوا حكايتهم له . ولكن هذا الشيء يبدو غير منطقي في ظل وجود اختلاف و ربما تناقض في رواية كلٍّ منهم لكيفية حصول عملية الإعدام ، هل ان كل شخص يعلم وجهاً مغايراً من الحقيقة ؟ ربما ان كل واحد احتفظ بالحقيقة الكاملة ليدونها بعد كل  تلك السنين الطويلة ، او ربما الأمر برمته لا يعدو كون الذاكرة قد تنسى بعض التفاصيل ، فتقوم بملء الفراغات من خلال اختلاق عناصر و حوادث لم تكن موجودة في الواقع . والاخطر من كل ما سبق فربما ان ما حدث قد تضمن مراجعات تقييم من قبل هؤلاء الاشخاص لتجارب حياتهم ، من فترة لأخرى ، و حسب تطور او نكوص ادراكهم . وهذا ما لاحظته على تقييم سعيد لموقف سعد الاعظمي ؛ فهو يستضيفه في داره ؛ رغم ان ما قام به سعد في وقته ربما سيعد خيانة للوطن ولكنه لا ينتابه ذلك الشعور ابدا . إذ ان مفهوم الوطن قد تغير بعد  الاحداث الجسيمة التي عايشها سعيد اثر اعلان قيام جمهورية البتران  ، انطلاقاً من قريته الصغيرة  التي ضربها النبالم ، بعد ان كانت ممراً للمنتفضين ضد الدكتاتور في ذلك الوقت. ولماذا سأفسد عليكم قراءة المدونات التالية وكشف اسرارها ؟ هل لأني غير مقتنعٍ انها النسخ الحقيقية ، فربما تم تزييف جزءٍ من محتواها ، لإيهام القارئ بان ذلك هو ما حدث !

السؤال الاكثر اهمية ، بالنسبة اليك ايها المتصفح ، ما اهمية البحث في تفاصيل  كل ما جرى في الماضي ؟ للجواب على هذا السؤال ، فان عليك مراجعة للموقع كلما فقدت  ايمانك بأهمية معرفة ما جرى ، لان هناك وعد صريح بان ما ستعرفه سيساهم في تغيير حياتك.

و هناك وعد ضمني بان ما جرى هو ذاته ما يجري حاليا ، و ما اقصده هو ليس ما يجري لحظة كتابتي لهذه الكلمات – وهي لحظة اضحت من الماضي حين تكون انت منهمكا في قراءتها – بل هي اللحظة التي سوف تقرا بها انت او اي متصفح مستقبلي هذه الكلمات ذاتها فهي لحظة متجددة دوما ، لأنها تحوي وعياً متجدداً ومختلفاً عن المرات السابقة . بل هي رؤيا سرمدية اذا فارقت النفس الانسانية جسدها فستقرأ سطور كتاب لوحها المحفوظ الذي هو الكتاب الأم لهذا الكتاب الدنيوي وهو كتاب المحو . فالقراءة في كتاب المحو هي تجدد لمعاني الكلمات التي  لا تستقل بذاتها  بل تقترن بفهمك و تأويلك المتجدد لكل ما تدركه منها . وهو لا يستمد سلطانه منك شخصيا و لا من التأويل الجمعي للحدث ، بل من إرادة الهية قصدية لمحو كل ما حدث و جعله أمراً مختلفاً حسب ما نتبناه و نؤمن به . لا تهتم كثيرا لهذا الكلام ؛ الذي استطعت ادراكه من قراءتي لكتاب المحو؛ فربما انت  مثلي متشكك دوما . ولست على وئام مع الغيبيات بل تؤمن بالأرقام و ما تراه عيناك فقط . وربما انت وانا متفقان تماما بان ما نبحث عنه من يقين ربما لا يتوفر في هذه المدونات . لكني قد افاجئك حين اخبرك بأشياء سوف تجعلك تشك بقدرتك على منع نفسك من الاهتمام و التساؤل بعمق والدخول في متاهة الاصدقاء الثلاثة.  فهل ان ما جرى كان من الماضي أم انه يحدث الان خارج منزلك و انت تعتقد انه حدث في زمن ماضٍ ولا يمكن تغييره ! كنت مثلك ، لكني حين بدأت بقراءة كتاب المحو علمت بان ما حدث لم يكن الا احتمالاً واحداً من مئات الاحتمالات التي قد تكون قد حدثت ولا علم لنا بها. و اسمح لي أن اذكرك دوما بأنّ المدونات التي اقوم بنشرها بعد اعادتها لك من الوب المظلم ، هي غالبا لا تحمل نفس التسلسل الزمني لما تم نشره من قبل المدونين الثلاثة . لكني ازعم ان هذا الاختيار الشخصي لا يعد تغييراً لما قصدوه . إذ اني اشاركك الجهل  بمقصدهم  . و ربما  انهم قاموا بنشر بعضٍ منها قبل اتفاقهم على نشر المدونات المشتركة ، وذلك احد الاحتمالات التي تستطيع  تبنيها في ترتيب قراءتك دون ان تكون محددا باقتراحاتي الانفة. و يمكنك ان تراجع صفحة الاسئلة المتكررة  لمعرفة المزيد من اقتراحات تسلسل قراءة المدونات .

وكما ترى ان جوهر الأمر في تحليل اسباب ما حدث ، سيبقى مرتكزا حول التسلسل الزمني. فلو اننا افترضنا ان رجلا اُتهم بقتل انسان اخر ، فان اول سؤال سيكون فيما اذا كان معاصرا له في زمانه أم لا ؟ وعلى نحو عملي ، فيما اذا صادف ان التقى به او تعرف عليه قبل زمن حدوث الجريمة ؟ او ان كان قد تزأمن  وجودهما في ذات المكان ،وقت حادثة القتل ؟ ولهذا فان ما يقلقني  للوصول لجواب سؤالي: من قتل ابي ؟  هو كيفية تسلسل الاحداث قبل لحظة مقتله؟ و كيفية تسلسها بعده؟ فهي اللحظة المفصلية في التقسيم الوهمي للزمن ( قبل / اثناء / بعد ).

اود ان نبقى ؛انا وانت ؛ واضحين وعمليين في وصف الزمن بالنسبية و المخادعة  فنحن لا نناقش هنا النظرية النسبية الجزئية او الكلية عند اينشتاين . بل نسبية الزمن عند الناس البسطاء في قرية البتران قبل تحولها الى جمهورية البتران وبعدها! 

 وهكذا ابتدأت القراءة في ما نصه :

((… بعد مرور مائة يوم من العزلة الجسدية والرقمية ، قضيتها بعد انتهائي من نشر المدونات ، في شقة صغيرة ، اعلى بناية مهجورة ،توشك على  الانهيار تقع في منطقة  تجارية قديمة . حيث اصدرت بلدية المدينة قرارا بهدمها منذ اشهر قليلة  فتم تخليتها من السكان وذلك  لأنشاء مستشفى كبير للحجر الصحي في حالة حصول اوبئة جديدة .. ، … تخلصت من جهاز النقال الخاص بي قبل المجيء هنا خشية اكتشاف أمري. ولم اتصل بأية شبكة الكترونية من اي نوع . لكني كنت مستعدا كل يوم صباحا للهرب لدى سماعي لأصوات الجرافات وهي تبدا بالهدم . لم تظهر الجرافات حتى الان . ربما لظهور وباء جديد او ربما ان البلدية قد غيرت رأيها لعدم وجود تخصيصات مالية كافية. وربما ان سكان المدينة قد انخفض عددهم ، بعد ان تم  اعلان وفاة الكثير ممن  تم تغييبهم  في الحجر الصحي . او انهم هاجروا الى سلة النفايات البشرية التي يطلق عليها اصحابها اسماء و صفات غير مترابطة ( جمهورية البتران الشعبية الاتحادية اللاديمقراطية العظمى ال ….، ) الى اخره من صفات ساخرة . وهو ما يُذكر بأيام الثورات الشعبية القديمة . حينما كانت الجمهوريات ينشئها الرجال الغاضبون صباحا معمدة بالدم ، ليبكوا عليها مساءً في مخادع  نومهم ، دافنين رؤوسهم بذل و خيبة في صدور عشيقاتهم  وقد غرس رفاق الثورة سكاكين الغدر في ظهورهم!

قلبت الصفحة فوجدت قصة اخرى ، ابتدأ بروايتها بصير القرية  تحكي عن كتاب قديم اهداه اياه رجل مسن اعمى ؛ تجاوز عمره السبعين عاما . فقد كان هذا الرجل الغريب عن بلدنا  مغرما  بالاستماع لصوت أمه و هي تقص عليه احدى حكايات كتاب الف ليلة و ليلة . فهي تساعده في استعاد أحلام طفولته وتُهدئ  قلقه قبل النوم ، دون الحاجة الى اخذ  ادوية مهدئة . تنسيه انه ما عاد يستطيع تذكر وجه وصوت أمه التي نأمت قرب راسه نومتها الاخيرة دون ان تكمل قراءة الحكاية الاخيرة!

اكمل بصير القرية حكايته ، (( حين كنت في الثانية عشرة من عمري ، التقيت بذلك العجوز في مدينة بابل الاثرية القديمة ، حين زرتها مع ابي في منتصف سبعينيات القرن الماضي. كان العجوز الاعمى  يريد زيارة مكتبة بابل الشهيرة التي قرأ عنها في كتاب الف ليلة وليلة . لكنه لم يجد المكتبة الاسطورية بغرفها اللانهائية  السداسية الشكل . فجلس اسفل المدرج البابلي خائبا مفكرا بتأسيس واحدة جديدة من خيالات افكاره ليكتب عنها . شاهدتني بصيرته ، فقد كنت انظر اليه بفضول. اُعجب بنظرات عيوني ، اقترب من ابي رحمه الله وقال له : ( ان عيون ابنك هذا هي للمتبصرين فقط ! فليحذر من ان تصيبها افة العمى من كثرة مطالعة هذا الكتاب الذي سأهديه له. ربما سيفقد البصر تدريجيا اذا ادمن قراءته . لكن لا عليه ، سيفتح الكتاب  أمامه باب البصيرة ) . و تلك قصة اخرى ولدت من قصة اكثر منها حزنا من كتاب المحو الذي هو الاسم الحقيقي لكتاب الرمل الذي اهداني اياه.  والذي علمت ؛ لاحقا بعد سنين طويلة ؛ انه اراد التخلص منه بإعادته الى مكانه الاصلي في مكتبة بابل لكنه فوجئ انها قد اُحرقت او هُدمت بالكامل من قبل جيوش الغزاة المتتالية ، التي وطئتْ ارض بابل . استغل فرصة جهل والدي باللغات القديمة و عدم ايمانه بالأساطير و خرافة اللعنات المنتقلة عبر الزمكان ، التي ادعى وجودها  الرجل الغريب قائلا : ( بان صفحات كتاب الرمل لا متناهية  . فكلما ارادت الوصول الى الصفحة الاخيرة ظهرت صفحات جديدة تفصلك عن الغلاف الاخير وكلما ارادت العودة الى الصفحة الاولى ولدت صفحات جديدة لم تكن موجودة مسبقا ! والصفحة التي في منتصف الكتاب لا ظهر لها لأنها وهم لا يمكن تصوره ! ولان كتاب المحو لانهائي فينبغي ان يكون شكله دائرياً ، فذات النقطة الاخيرة ستكون النقطة الاولى . وربما يكون  شكله كروياً ، فيكون شكل الصفحات مخروطياً ينتهي بنقطة المركز التي تنشأ الصفحات منها . لتكون هرماً مقلوباً ، قاعدة عند حافة الصفحة ، التي هي حافة كون وعينا . فيكون لكل صفحة مقابل لها في الكون الموازي او الكون الاخر في المرآة سمه ما شأت . المهم انه سيكون انعكاس لكوننا المادي يوازيه بالشكل و يختلف عنه بالمعاني. فتسلك الاحداث مسارات اخرى ، قد نتوقعها ، وقد لا يمكننا ان ندرك اسرارها  الا بعد أن نغادر عالمنا المادي .)

حين كبرت حاولت ان أقرأ كتاب الرمل لكني لم افهم منه شيئا. غير أن مجرد وجوده عندي في البيت اكسبني قوة كبيرة على رسم الصور في مخيلتي بالألوان كأنها  ماثلة أمام عيني . أمي كانت تقول لي ان تلك المخيلة هي بسبب قصص الجنيات و الأميرات التي كانت ترويها لي قبل النوم . مما حفز والدي على مخالفتها كعادته بان تلك المخيلة هي بسبب الأفلام الاجنبية و الهندية التي كنت اشاهدها في دور السينما . و أيا كان السبب ، فان هذه المخيلة لم تعد علي بالنفع ، حتى فقدت بصري بعد انفجار حقل الالغام حولي . فبدأت اتلمس حروف الكتاب ، التي بدأت تحت أنامل اصابعي كأنها محفورة في الورق بأبعادها الثلاثية ؛ طولاً و عرضاً وسمكاً. ولم تكن بالنسبة الى الآخرين الا حروفاً من اللغة السومرية القديمة بهيئة صور لشفرات غامضة ! لكنها بعد فقداني للبصر ، اصبحت مفهومة لي كأنها كتبت بالعربية تماما كما بدت للرجل العجوز الذي قراها بالإسبانية او بالإنكليزية. فُتحت عين بصيرتي ، فأصبحتُ اتلمس طريقي والاشياء بمخيلتي و اشاهد قسمات وجوه الناس ببصيرة يحسدني عليها المبصرون!

و ربما كان فقداني للبصر كقدر ساقته لعنة الكتاب كما حذرني منها الرجل العجوز الغريب. مهما يكن ، فقد القى باللعنة عليَّ و سافر بعدها الى بلاده القصية. خلد  لنوم ٍ عميقٍ،   بعد ان كانت الكوابيس تؤرق منامه . سمعتُ انه مات ، بعد ان نشر قصة مزيفة عن ايداعه الكتاب سرا في احدى رفوف  المكتبة العامة  لمدينته . واضعا اياه في الزوايا الخلفية لرفٍ تصدرت واجهته مجلدات كتاب الف ليلة وليلة المترجم . و مهما يكن من أمر الرجل ، فقد فاته بان اسم الكتاب قد تغير حين اكتسب قدرات اكبر و اضحى اكثر تشعبا في سبر اغوار النفس البشرية . ربما لأنه عاد الى الارض الاقرب الى روحه . اضحت كلماته تغير ترتيبها فتعطي معاني جديدة كلما عاد قارئه لقراءة أيٍّ من صفحاته من جديد . ربما كانت ذاكرة القارئ تعيد ترتيب الكلمات . فكلما غربت شمس الزمن فسوف يزحف على طاقة التذكر ظلها من طاقة النسيان . او ربما ان وعي الذاكرة بذاتها في لحظة ما سيسلك بها باتجاه الطريق الانعكاسي لمسار الزمن فتنشأ عند خط الصفر احتمالات جديدة لتسلسل الاحداث ! وربما كل هذه الافكار الفلسفية المعقدة لم تكن تخطر على بالي اصلا لولا اني سمعتها من الرجل العجوز، الذي ادعى قبل مغادرته بان هذا الكتاب هو الشفرة و الموجز الكامل ، فهو فهرست الفهارس  لكل الكتب الاخرى في مكتبة بابل المقدسة والتي هي تمثل الكون المكتمل ! وان سر مكتبة بابل الاساسي هو في معرفة اصلها و الزمن ! لم اصدق أيّاً من ادعاءاته ، وبقيت افكر فيه كرجل محترم ، بدا انه يعاني من أوهام الشيخوخة. و قد بدا ظريفا في خرافاته الفلسفية التي تتناسب مع مؤلف حكايات خرافية تتحدث عن  كائنات عجيبة كالدينصورات و العنقاء اكثر من كونه عالماً في الطبيعيات او الفيزياء النظرية او فلسفات الحضارات القديمة.               

لكني بعد سنين طويلة  من مطالعة الكتاب بعين البصيرة ، كانت تظهر لي حكايات غريبة لأشخاص عاشوا حياتهم وفق احتمالات متعددة . كلما قلبت صفحة يظهر لي احتمال اخر لنفس الحادثة . و كلما عدت بالصفحات الى البداية ظهرت الاحداث الي يفترض انها تنتمي للماضي بصورة مغايرة ، اشد غرابة لكنها اكثر أملاً وربما اكثر بؤساً . فكرت طويلا ما الذي يجعل الاحداث تتغير فلم اتوصل الى جواب محدد . اذا ان الأجوبة كانت ايضا تشملها قاعدة الاحتمالات اللانهائية. لكني حين قرات كل حكاية باستخدام المنطق الرياضي ووضعت شرط (ماذا لو ) لم يفعل (الانسان / الناس ) الحدث ( أ ) ، بل فعل الحدث ( ب ) ، فان النتيجة ستكون مغايرة لما انتهى اليه الأمر . الحل ببساطة هو حرية الاختيار في الفعل او عدم الفعل . هكذا ببساطة كانت العلاقة بين صفحات الكتاب الذي كان الزمن وهو البعد الرابع الذي يقصف المكان المتمثل بصفحات الكتاب بأبعادها الثلاثة  كلما قلبنا صفحة الى الأمام او رجعنا الى الخلف فيكون بعدا خامسا هو ؛ الاحتمالات التي تخضع لمبدا حرية الاختيار وليس لمبدا العبثية التي فهمها الرجل العجوز من تناثر الرمل، الذي قد يتبعثر كل مرة بصورة غير مفهومة او  غير ذات جدوى . فتغير كتاب الرمل بعبثيَّته و تشظيه الى كتاب المحو بأزليته و نظامه الخاضع لحرية الاختيار. ولم يكن مهما إنْ كان وعينا المحدود قد فهم أنَّ هذا الاختيار هو من صنع الاله او من اختيار البشر لأنه في النهائية يمثل اختياراً واعياً ، وليس من انتاج طبيعة عمياء عبثية .))

بعد نشري لهذه المدونة ، انهالت عليَّ الكثير من الاسئلة ، التي يلح فيها الكثير من المتصفحين ، واحسب ان اغلبهم من الاكاديميين او ملتهمي الكتب الورقية و الرقمية.  يتساءلون فيها عن حقيقة وجود فهرست الفهارس لكل كتب مكتبة بابل القديمة ؟ ولكي لا اخيب أملهم، كما خاب أمل الرجل العجوز حين اكتشف ان مكتبة بابل المقدسة قد دُمرت منذ زمنٍ طويل. فقد استحدث بعد انتهائي من تحميل المدونات، صفحة خاصة بالموقع واسميتها فهرست الفهارس. تحوي الكتب والمصادر المنشورة على الشبكة العالمية و التي لها صلة بما تكلم عنه الاصدقاء الثلاثة. و قد اقتبست منها بعض الاقوال ( التي صدَّرتُ بها صفحة استهلال الابحارات الخمسة ). و لا احسب ان تلك الاقتباسات قد اوجزت الحقيقة ؛ بل ربما على العكس ؛ قد جسَّدت شبح الحقيقة في المرآة . فهي ظل الكلمات التي لم و لن تُقال ابداً من قبل مكتبيي بابل الصامتين!

ها انت الان تتساءل مندهشا، كيف وصل كتاب المحو الى  يديَّ ، بعد ان اهداه الرجل العجوز الى بصير القرية  قبل اكثر من ستين عاما ً؟ لن اجيبك عن هذا السؤال لان جوابه سوف يتوزع بين الإبحارات الاربعة القادمة في الموقع . كما يمكنك الاستعانة بقراءة صفحة الاسئلة المتكررة التي استحدثتها بعد ورود اسئلة متكررة من قبل المتصفحين . و عليك الاعتماد على فطرتك السليمة و فطنتك و صبرك في تمييز كل احتمالات الاجابة الممكنة لتصل الى الحقيقة . فما سأخبرك به الان قد يكون مضللاً ؛ عن غير قصد مني ؛ بل ان الشر قد استعد لهذه المعركة منذ قرون طويلة ولن يسمح لنا بادراك الحقيقة الا بعد ان نتسلح باليقين و الشك معا ! وذلك هو سر المتبصرين في زمن الزيف الاكبر.

1 thought on “الابحار الاول – مقدمة كتاب المحو”

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *