مدونة سعد الاعظمي / 29 ، اب ، 0052 / بغداد
بعد سقوط النظام في نيسان 2003 ، سمحت منظمة اللاجئين في مخيم رفحاء بعودة العراقيين الى وطنهم . كنت قد حزمت أمري وقررت العودة. استقبلني خالي ابو وطن مستغربا ، كيف اني لم اسعَ للحصول على جواز سفر او جنسية احدى الدول الغربية ، كما فعل اغلب الشباب الذين كانوا معي في مخيمات رفحاء . اجبتهم بهدوء : ( اريد العودة الى جذوري ، الانسان في الغربة كشجرة دون جذور. انا رجلٌ بدون وثيقة سفر او جنسية ، دون عائلة او بيت . الغربة يا خال سوف تكرس غربتي الى الابد، هل اخطأتُ بعودتي؟) نظر الي كأنّه غير قادر على فهمي ، و لم يجبني . كان خالي نائب ضابطٍ سابق في الجيش المنحل. هذه التسمية التي اخذوا يطلقونها على الجيش الذي تم حله بأمر من القائد العسكري الأمريكي بعد اسقاط النظام . كان يبدو في حالة مادية متعبة فقد تم تسريحه مع الآلاف من ضباط ومراتب الجيش دون راتب تقاعدي او مكافأةٍ لنهاية الخدمة . قال لي وهو منكسر الروح : ( مكافأتي الوحيدة هي انهم لم يلقوا القبض علي او يغتالوني بتهمة الانتماء لحزب البعث. فكل اهل الاعظمية والحمد لله يشهدون اني رجل عسكري مسالم ! لم أوذِ احداً في حياتي . ويشهد الله ، اني لم اقتل في كل الحروب احداً . فقد كنت منتسباً في وحدة الطبابة العسكرية او الميرة و التموين او العتاد والمشاجب ، و لم اشارك في اي معركة ، هل تصدق ؟ ) نظرت له ، كان في الخمسين من العمر ، لكنه بدا لي في تلك اللحظة ، انه اكبر بعشرين سنة . فقد نالت منه الحياة و الحروب. كان يعيش وحيدا في بيت قديم ورثه عن جدي. فزوجته قد تُوفيت في فترة الحصار بعد اصابتها بسرطان الثدي ، و ابنته الصغيرة ( وطن ) ذات العشر سنوات ماتت بمرض فقر الدم . لم يكن يملك من المال ليعالجهما في مستشفى خاص. اخبرني انهم في مدينة الطب ، كانوا يجرون قرعة بين المحتاجين للحصول على اكياس الدم . فقد كان المتبرعون و هو منهم مستعدين للتبرع بالدم، لكن لم تتوفر كمية كافية من اكياس نقل الدم ! فكانوا يجرون قرعة بين المرضى اطلقوا عليها قرعة الدم . قال لي : ( كنا نقترع من سيموت ومن سيبقى . وقتها لم يكن أمامي من خيار اخر ، راهنت ُ و خسرت ابنتي ، كأني لاعب قمار ! )
كنتُ مندهشا من صخب الحياة في بغداد . فلا تزال رهبة سكون صحراء حفر الباطن ، حيث أمضيت اثنتي عشرة سنة كأملة قضيتها مستمعاً لصوت الريح الذي كان ينوح وحيداً . أما الان الاف الاصوات يصدرها الباعة و الاطفال و الناس المتجمهرون في المطاعم و المقاهي تصخب في اذني . كنت اذهب للدوائر الحكومية في جانب الرصافة لاستخراج اوراقي الثبوتية الجديدة . عانيت كثيرا ، فلم اكن أملك شهادة جنسية لوالدي او والدتي . كل ما كنت أملكه هو شهادة جنسية خالي . الذي طلبوا منه ان يجلب معه شاهدين من المنطقة ليشهدوا باني من سكان المنطقة سابقا . كان الأمر صعبا فلا يوجد من يعرفني . و لم يأت للشهادة الا خالي والشيخ ابراهيم أمام الجامع ، الذي كنا نصلي فيه كل يوم مساءً . لم يكن خالي يصلي حين كان عسكريا . ولمّا أنْ اصبح عاطلاً عن العمل ؛ وليس لديه ما يشغله؛ لبى دعوة الشيخ ، الذي اصبح يعطيه المساعدات المالية و الملابس عطفا عليه و رغبة في رضاء الله . مما جعل خالي يلح عليّ في مرافقته الى المسجد كل يوم للصلاة . وسماع خطب الشيخ التي كانت تدعو الرجال الى الجهاد ضد المحتلين و ضد من باع الوطن الى المحتلين .عادت ذاكرتي الى أيام حرب التحرير في الكويت . كنّا نقوم بأغلاق باب وشبابيك المسجد ، لندخل من الباب الخلفي . وبعد أنْ تُخرجَ الخطب الدينية الحماسية غضَبَنا ، نخرج من الباب الأمامي ساخطين على الاحتلال المهين ، غير عابئين بالاعتقال او بالموت ! بل مستعدين لحمل السلاح لمواجهة المحتل، لو توفرت لنا الفرصة .
في ذلك اليوم الشتائي من شهر شباط عام 2004 ، حين خرجنا من المسجد كانت مدرعتان ( هامفي ) أمريكيتان تقفان بالباب ، وقد احاط بالمسجد العديد من الجنود الأمريكان يصحبهم بعض المترجمين العراقيين الملثمين. اخذوا يطلبون هوية كل شخص ، ليلقوا القبض على كل شخصٍ يقل عمره عن الستين عاماً . فالقوا القبض على ما يقارب خمسين شخصاً. كنت انا وخالي من ضمنهم ، و اخرهم أمام المسجد الشيخ الطيب؛ ابراهيم .
اخذونا الى معسكر يقع في المنطقة الخضراء . وفي اليوم التالي تم نقلنا بطائرة عسكرية الى سجن بوكا في اقصى جنوب البصرة. لم توجه لنا ايّة تهمة. كل ما عرفناه لاحقا ان تحقيقات سوف تجرى معنا، لوجود اشخاص منضمين لتنظيم القاعدة من بين المصلين . وربما لأننا استمعنا لخطبة الشيخ ابراهيم المحرضة ضدهم . حين وصلنا الى سجن بوكا كان الخوف مسيطراً علينا . فأسطورة السجن المجهول في عمق الصحراء ؛ الذي يتحكم فيه الأمريكان ؛ تثير اجواءً من الرعب والترقب ، كنت قد عشت اجواءً مشابهةً لها في مخيم رفحاء كنا متوترين عندما اقتادونا جنود أمريكيون عبر ثلاث بنايات ، ومن ثم عبر ممرات مكشوفة ، محاصرة بالأسلاك . لنصل الى ساحة مفتوحة ، مليئة بسجناء يرتدون زي السجن بألوانه الصارخة. كانوا ينظرون الى الشيخ ابراهيم بحذر، واعينهم تراقب تحركاته. سلموه بدلة بيضاء أما نحن فأعطونا بدلاتٍ صفراء او برتقالية .عرفنا فيما بعد انها للسجناء العاديين ، أما السجناء الخطرون و الذين تسببوا في مشاكل في السجن فقد كانت حمراء ، أما الخضراء فكانت لأصحاب مدة السجن الطويلة ، أما البيضاء فتعطى لزعماء السجناء كما هو حالة شيخ ابراهيم . كانت ادارة السجن تعتمد عليه في حل المشاكل التي تحدث بين السجناء . كانت له ( كاريزما ) غير عادية. فقد كان هادئا و لطيفا، لكنه منعزلا و غامضا في الوقت نفسه. يستخدم اسلوباً خاصاً هو مزيج من النصح و التهديد بالتخلي عنهم ، والذي سيجعل مصير السجناء الذين يخلقون مشاكل و شجارات بينهم هو التعذيب من قبل السجّانين . وفعلا حدث اكثر من مرة انه غضب على مجموعة من السجناء فكانت عقوبتهم هو السجن الانفرادي لفترات طويلة. فانقاد له اغلب السجناء ، و تحلقوا حوله ليستمعوا الى خطبه التي كان يلقيها بثقة ، و لكن دون ان يرتفع صوته . و لم تختلف عمّا كان ينادي به سابقا في مسجده ببغداد ، بان من واجب المسلم ان يجاهد من اجل ان يعيش في ظل دولة اسلامية عادلة تُطبِّقُ الأحكام الاسلامية . سأله مرة احد السجناء : (لماذا لم تكن تنادي بهذا المبادئ أيام حكم الدكتاتور ، الم يكن ظالما و مستبدا ؟) نظر اليه بحدة ، ثم اجابه بهدوء ( اولاً، الحاكم المسلم الظالم خير من الكافر العادل ، ثانياً، من قال اننا لم نكن نتكلم وقتها ، و لكن لم يكن الجهاد واجباً مادام صدام قد حارب الكفار. احفظ هذه القاعدة جيدا : عدو عدوي ، صديقي ! ). سأله سجين اخر ( الم تقاتل في حرب ايران او الكويت ؟ ) اجابه: ( بصدق اقول لك يا صديقي اني كنت دون سن الثامنة عشر اثناء حرب ايران وبعد تخرجي من الثانوية في عام 1991 ، لم يتم قبولي في الخدمة العسكرية لوجود قصر نظر في عينيّ، والا ما كنت أتأخر عن القتال للدفاع عن وطني ) . اخذ الكثيرون يصدقون كل كلمة يقولها ، ومن ضمنهم خالي الذي قال: ( الرجل يحكي الواقع هل تريد ان نسكت بعد ان تم اذلالنا ، و جعلنا نجلس في البيت بلا عمل ؟) . كنّا نسميه ( الشيخ ) رغم ان عمره لم يتجاوز في وقتها الثلاثة والثلاثين عاما. وما ان يفتقده احدنا ويسال: ( اين الشيخ ؟ ) حتى يجيبه الاخرون: (الشيخ في غرفة استجواب الشيطان!) فقد كانوا يحتجزونه لساعات طويلة في غرفة للتحقيق معه . يمكث لساعات طويلة ، يسجلون كل كلمة يقولها بالصوت و الصورة كما كانوا يفعلون معنا . لكن الفرق ان التحقيق معنا يستغرق خمس عشْرة دقيقة و يكون على شكل مجموعات تضم اربعةَ او خمسةَ سجناء. أما معه فيكون منفردا ولساعات طويلة . يعود بعدها متعبا ، نساله عمّا جرى ، لكنه لا يرد في اغلب الاحيان ، و في بعض الاحيان كان يقول مبتسما : ( لن يستطيعوا ان يغيروا ما بداخلي لا تقلقوا يا اخوتي في الله ، سأبقى على عهد الجهاد حتى الموت !) أحسسنا انه يُخفي شيئا غامضاً في داخله . لم يرد ان يطَّلِعَ احدٌ منَّا على سره. لقد كان مختلفًا جداً عن كل الأمراء الذين عرفناهم فيما بعد، فقد كانت معاملتهم سهلة. أما هو فقد كان منطويا وبعيدا عنا جميعا. على الرغم انه كان يبدو قريبا حينما يلعب كرة القدم معنا ، حيث كان بارعاً فيها كبراعته في التأثير على عقولنا .
حل الصيف ، كان الجو حاراً ورطباً، كما هي العادة في جنوب العراق . كنا ننأم خارج الخيم ليلا ، البعوض لم يكن رحيماً ، لكن الحمامات كانت متوفرة و الطعام كان جيدا . وشيئا فشيئا ، اخذنا نحس ان بوكا ليس سجناً سيئاً للغاية ، حيث انه وفر فرصةً ذهبيةً لم نكن نحلم بها ، فلم يكن باستطاعتنا ان نجتمع في بغداد او في اي مكان آخر بهذه الطريقة . فكنا نشعر بالأمان اكثر مما كنا خارج السجن حيث القتل المجاني والتفجيرات تحصد ارواح الناس الابرياء يومياً. كانت الحرية ممنوحة لنا للحوار , والاستماع لتوجيهات الشيخ الذي نشعر انه هو الاخر اخذ بتطوير لهجته في الكلام عن وسائل الجهاد . فكان يخبرنا انه يتطلب منا القيام بالتنظيم الجهادي المعتمد على الوسائل التقنية والوسائل الثقافية ، فيجب ان نستفيد من الشبكة العالمية لنصح الشباب و دعوتهم . لكن في واقع الأمر ، لم يكن الشيخ يحتاج لتلك الوسائل في سجن بوكا . فالشباب الذين تم القبض عليهم من مختلف مناطق العراق ؛وبنفس الطريقة التي تم فيها القبض علينا؛ ازدادت اعدادهم لتصل الى اكثر من الف سجين اكتظت بهم الخيم التي تتسع لربع ذلك العدد . فكان اغلبنا يهرب من خيمته ظهراً ، ليبحث عن ظل احد الاشجار المنتشرة في الساحة الكبيرة. وفي المساء نجتمع لنستمع الى كلأم معلمنا الذي اكتسب شعبية كبيرة . اتفقنا ان نسجل ارقام هواتفنا على قماش ملابسنا الداخلية لنتواصل بعد خروجنا من ( اكاديمية بوكا ) كما كنا نسميها . حين التقينا بعد خروجنا من السجن و حققنا بعض الانتصارات ، كنا نبتسم ونقول لبعضنا مازحين:( ملابسنا الداخلية هي من جعلتنا ننتصر ! )
بعد عشرة اشهر , تم اطلاق سراح الشيخ ابراهيم لأنه لا يشكل خطرا ارهابيا محتملا ، كونه رجل علم. حسب ما ورد في أمر ادارة السجن ، بأطلاق سراحه غير المشروط. كانت الاخبار تصلنا انهم سمحوا له بإكمال دراسته العليا في كلية متخصصة بالعلوم الاسلامية في بغداد. وانه اخذ يزور باقي رفاقه المسجونين ، الذين توزعوا على اربعةٍ وعشرين سجناً في مختلف ارجاء البلاد. على الرغم من أنَّ زيارة السجناء المتهمين بالإرهاب ، كانت محصورة بالأقارب من الدرجة الاولى ، لكنه كان يجد طريقه سالكاً رغم كل المصاعب !
بعد مرور اقل من شهر من خروج الشيخ ابراهيم ، تم الافراج عني و خالي لعدم كفاية الادلة. وحتى هذا اليوم ، لم نعرف ماهي التهمة التي كانوا يبحثون عن ادلة كافية لأدانتنا بها ! لكننا لم نكن مهتمين كثيرا لذلك ، فالحرية هي كل ما كنا نحلم به وقتها. عدنا الى بيتنا في الاعظمية. و ما ان اعدت الحياة الى هاتفي النقال، حتى جاءني اتصال ، واذا بصوت الشيخ : ( الحمد لله على سلامتكم يا اخواني ، الطريق سالك الى بيت ابي ايوب ، نحن بانتظاركم !) و اغلق الخط دون ان يعطينا الفرصة للتحدث. بقينا في حيرةٍ من أمرنا هل نذهب وننخرط في الجهاد أم ننتظر و نرى سير الأمور . قال لي خالي ابو وطن : ( لنذهب ، فمعهم يوجد خياران أما الموت او العيش. أما اذا بقينا فخيار واحد بانتظارنا هو : الموت ! ). لم ادرك حينها مغزى كلأم خالي . سمعنا صوت سيارة تقف قرب دارنا ، نزل منها شابان ، طرقا الباب ، وقالا : ( تعالا معنا الان ، الشيخ بانتظاركم ! ) .
لم نلتقِ بالشيخ فيما بعد ابدا ! لكن شخصا ، اسمه ابو ايوب اخبرني ان مهمتي ستكون اهم واخطر من عمل خالي. كان خالي مسؤولا عن جلب مُؤن الطعام و الطلبات اليومية و تأمين مستلزمات العمل . أما انا ، فقد اعطوني جهاز كمبيوتر موصول بشبكة الانترنيت ، و قالوا لي : ( هنا معركتك الحقيقية يا بطل !) . الترتيب الهرمي للعمل وضعني مع ثلاثة اشخاص في قسم يرتبط بالشيخ عن طريق تنظيم خيطي يمر بعدة اشخاص اخرين لا نعرف منهم سوى شخص يُدعى ابو ايوب. فهو نقطة الاتصال الوحيدة لنا بالتنظيم . كانت مهمتنا الاولى هي دعوى الشباب من كل انحاء العالم للقدوم الى العراق و الانضمام الى التنظيم ، للجهاد لأسقاط المحتلين و التعجيل بخروجهم
لم تمضِ عدة اسابيع على البدء بنشر الدعوة للجهاد بين صفوف الشباب العرب و الاجانب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي و الحسابات الوهمية التي نفتحها بأسماء تدل على التنظيم حتى تزايدت اعداد المنضمين من مدن داخل البلاد ومن بلدان مختلفة. كنا ننشر اخباراً و ملفات فيديو تضمنت تصويراً لعمليات التفجيرات ، التي نُفذت ضد الأمريكان عن بعد او بواسطة انتحاريين . كانت المعركة الرقمية تجري في سباق محموم ، متزامنة مع المعركة العسكرية . فكانت حساباتنا الالكترونية يتم حجبها او حضرها ، لكننا ما نلبث ان نستحدث حساباتٍ جديدة.
في احد الأيام اجتمع بنا ابو ايوب و قال لنا ، ان الشيخ ابراهيم طلب منا ان نضيف الى مهامنا مهمة اخرى جديدة ، تتمثل في فتح حسابات تمثل كلٌ منها طائفة دينية . فنقوم بالهجوم على المعتقدات الخاصة بهذه الطائفة ثم نقوم من حساب اخر بالرد و التهجم على التعليق الاول. و هكذا تكون صفحة التواصل الاجتماعي مشتعلة بسجالات محتدمة و نصل بالأمر الى التهديد و الانتقام و التشهير بالرموز الدينية التاريخية و الرموز الدينية التي ماتزال على قيد الحياة . واضاف : ( كان على كلٍّ منكم ان يكون كلاعب الشطرنج الذي يلعب لعبة الشطرنج ضد نفسه . فيبدا بالأحجار البيضاء ، ثم يذهب ليتقمص دور اللاعب بالأحجار السوداء . على ان يخفي افكاره عن اللاعب الاخر الذي هو نفسه . اي يكون مزدوج الشخصية ، شخصية تهاجم ، واخرى تدافع مقنعة ذاتها بجهلها بدوافع الشخصية المهاجمة ! وبذلك تقنعوا المتصفحين و المتفاعلين على مواقع التواصل بواقعية اللعبة الرقمية. وانكم تمثلون تيارات مختلفة ومتصارعة داخل الشعب العراقي . احد اعضاء خلية ( الجهاد الرقمي ) وهكذا كانوا يسمونا ، سأله: ( وما الهدف من هذا العمل ؟) اجابه ابو ايوب : ( سؤال جيد يا اخي بارك الله فيك ، الهدف هو خلق فتنة بين المنافقين الموالين للحكومة التابعة للمحتلين ، فتنهار هذه الحكومة و يسهل بالتالي طرد المحتل الذي تدافع عنه هذه الحكومة . فكلما ازدادت التفجيرات وعمت الفوضى ، كلما قرب وقت خروج المحتلين ) . كنت دائما أُبدي لرفقائي بعض المخاوف بان هناك عدد كبير من الضحايا هم ابرياء من الاطفال او الشيوخ او النساء ، ولا دخل لهم في هذا الصراع. ويبدوا ان مخاوفي كانت تصل للشيخ عن طريق احد افراد خليتنا ، وذلك أمر طبيعي ان يكون للشيخ عين تنقل له كل ما يدور، فلاشك ان الرقابة السرية أمر ضروري في مثل هذه الظروف الخطيرة . لذا فقد وجه ابو ايوب كلأمه لي دون ان ابتدئه بسؤال : ( واذا كان احدكم يخشى من سقوط ابرياء ، فنقول له ان التضحية واجبة على كل افراد المجتمع لطرد المحتل . وهؤلاء المدنيون الابرياء سيدخلون الجنّة ، رغم انهم لم يضحوا عن نية وقصد بل جاءتهم المنية فجأةً . بل انهم سوف يشكروننا في يوم القيامة لأننا كنا سببا في دخولهم الجنّة رغم جهلهم بدوافعنا النبيلة حاليا . مفهوم يا اخوان ) اكتفيت بهز راسي ، لكنّ شخصا بجانبي رفع صوته : ( جزاك الله خيراً ، هذا هو الكلام الذي يُبصِّرنا بالحق .. !).
اخذت خليتنا بالعمل اليومي، انشأنا عدة منتديات مختلفة ومتعارضة في توجهاتها الفكرية و العقائدية. يبتدئ احد عناصر الخلية بإنشاء مقالة على صفحة احد المنتديات التي تتهم الشيعة بالشرك لزيارتهم قبور اهل البيت. ثم ، اقوم انا بالدفاع عن عقيدتهم وتصعيد الموقف بسب الصحابة . ثم يقوم فرد اخر بالرد علي بقوة و التهديد بالانتصار للصحابة باستهداف الجيش و الشرطة الصفوية ! ثم نترك المجال للقراء العاديين بالتعليق وما ان يقوم احدٍ بتعليق يهدف للتهدئة ، نقوم بالرد عليه بقسوة من حسابات اخرى وجعله يثور ويشترك في النقاشات الى ان يبدا بمهاجمة احد الطرفين . كان الهدف هو ادخال اكبر عدد من الناس الى لعبة الشطرنج السياسية عن طريق فتح الجدالات الطائفية.
اصبحت بغداد ساحة للتفجيرات و الاغتيالات .كان اكثر الضحايا من المدنيين و القليل من العسكريين العراقيين والاقل من الأمريكان. الحكومة اعلنت عن اجراء استفتاء على الدستور لتجري بعده انتخابات برلمانية قريبة. ابلغونا ان الشيخ يقول لابد ان تبدا الحرب الاهلية بأسرع وقت ممكن .لكننا كنا نجده أمرا صعب التحقق . فلم يكن من السهل ان نجعل هذا الشعب المتصالح و المتصاهر منذ مئات السنين ان يبتدئ بالحقد و الكراهية ويدخل في دائرة الثأر و الانتقام . كان لابد من عمل كبير يفجر جسر التواصل بين الطرفين و يجعل المحبة و الوئام تنقلب الى قطيعة و خصام طويل. برزت فكرة (قطع جسر التواصل ) الرمزية تتبلور للظهور كفكرة واقعية قابلة للتنفيذ . ابتدأت الخلايا السرية بالدراسة لتحديد الكيفية والوقت و الادوات . بعد ان تم تحديد الهدف ، كتبناه على سطح المكتب في حواسيبنا كشعار للتحدي و التذكير : ( موعدنا الجسر ! )
Your email address will not be published. Required fields are marked *
Comment *
Name *
Email *
Website
Save my name, email, and website in this browser for the next time I comment.
Post Comment
ودع البحر في شواطئ الكويت ، ودع رمال حفر الباطن ، ودع شواطئ دجلة في الاعظمية ، نفذت كل كلماته و كل رسائله ، اسقطته المؤامرات ، نهض من جديد ، جاء يمشي بكل جروحه ليكشف لنا عن معنى الانسانية الحقيقي
يمكنك اغلاق النافذة و متابعة القراءة او يمكنك الانتقال الى مدونات سعد الاعظمي
قمر بوجهين
صناعة الدجال
صناعة المؤامرة
يمكنك اغلاق النافذة و متابعة القراءة او يمكنك الانتقال الى الباب الثالث من كتاب المحو
من قعر سجنه قالها : موعدنا الجسر ! وفي الصباح وجدهم على الجسر ، الالاف الانفس ينتظرون ان تشرق ارواحهم في طريق المحبة و التسامح . مدوا ايديهم لا خوتهم في قعر النهر و همسوا لهم و هم يغرقون : موعدنا المحبة
يمكنك اغلاق النافذة و متابعة القراءة او يمكنك الانتقال الى مدونة موعدنا الجسر/ جسر الائمة/فاجعة الجسر