الابحار الخامس – اليوم ، كيف تتذكر ذلك العالم المجنون ؟

مدونة حكواتي القرية / 20 ، ديسمبر ، 2039 / قرية البتران 

عدت الى ساحة القرية مستظلا بشجرة الصفصاف المتيبسة ، بعد ان هربت من الاختناق بغاز القنابل الغازية التي فرقت شمل تجمعنا أمام احدى الشركات طلبا للعمل. فقد اصبحت في (حالة بطالة مؤقتة ). كما احب ان اسميها بدلا من لقب (عاطل) عن العمل ، الذي احسبه اكثر سلبية و عدائية كونه المرادف لكلمة (فارغ) او المعاكس لكلمة (صالح). ولا احسب ان احدا من الشباب الذين كانوا يتجمعون معي سيكون مهتما بهذه المقارنات اللغوية و فن البديع والبيان للحكايات و المقامات . التي اندرست كما انقرضت مهنتي ، باعتباري اخر الرجال الحكواتيين. ولعلي كنت أسوأهم حظاً ، فلم يعد من يهتم لحضور مجالس قصصي كما جرت العادة سابقا بحضور عوائل القرية و تجمهرهم حول كرسِيّيَ المزخرف الذي يشبه كراسي السلاطين. حينما كان للحكي سلطةٌ و سحرٌ. فلجأت الى نشر قصصي عن طريق انشاء قناتي الخاصة بموقع اليوتيوب بنصيحة من احد ابناء اصدقائي المحترفين  في عالم الشبكات العنكبوتية. و خطر ببالي ان اتصل بصديقي القديم سعيد البصري الذي عاد الى قريتنا كمراسل لمنظمة دولية تعنى بالمضطهدين و المنبوذين من أمثالي. فهي تشجع الاقليات من السكان او المهن التراثية المنقرضة على المطالبة بحقوقهم المسلوبة . فكان سعيد البصري عند حسن ظني ، عندما استحسن فكرتي الجديدة ، ان اروي قصص اصدقائه التي سجلوها في مدونات متفرقة. فأقوم بروايتها بصوتي الجهوري مصحوبا بمؤثرات صوتية ومقاطع موسيقى قام بأعدادها ذلك الابن الفطن. كما عمدت الى اضافة بعض العبارات التي تشير الى بعض القصص الاسطورية لتلطيف الاجواء الحزينة التي حفلت بها عبارات روايات اصدقائنا. ولعل المستمع اللبيب لن يفوته معرفة مواضع ارتجالي الفني وخروجي عن نص رواياتهم المحتشدة بالمعلومات ، والتي ينقصها الشيء الكثير من الخيال و البديع و البيان . وبالرغم من كل اعتراضاتي على لغتهم الخشبية فقد استسلمت لطلبهم بنقل الحقيقة عارية عن الزخرفة ، ولم اتدخل الا حينما نازعتني نفسي الحكواتية ، الأمارة بالخيال ! فابتدأت بروايتها قائلا :

( يا سادة يا كرأم  ، كان يا مكان في حاضر الازمان و الاوان ، ان فتيةً من اهل هذا الزمان ادركتهم غواية حكايات شهريار و شهرزاد ، حين سالتهم : اليوم ، كيف تتذكر ذلك العالم المجنون ؟ فتناوبوا شرب كؤوس القص و الحكي قائلين ………) ، ……

رواية مسعود كاكا علي / ( جرار كهرمانة التي لا تنضب ابدا ! ) #

اكتشف البريطانيون اول بئر نفطية في العراق  في كركوك في منطقة بابا كركر عام 1927. لم تخبُ نار هذه البئر النفطية الازلية منذ اكثر من خمسة قرون قبل الميلاد . فقد حافظتْ على اتقادها متحدية الأمطار و الرياح والثلوج . حيث يتسرب الغاز الطبيعي فيها من تحت الارض ليشتعل عند ملامسته للهواء ، ليظهر عند سطح التربة  كينابيع نارية مضيئة و ساخنة . فتأتي قطعان الاغنام ، لتنعم بالدفء بعد ان تلصق اجسادها بالأرض الساخنة أيام الثلج و البرد. لكن ما ادهش المكتشفين النفطيين حقاً ، انهم حين سحبوا كميةً من النفط في اليوم الاول ، عادوا  في اليوم التالي ليجدوا ، ان كمية النفط لم تنخفض ولو مليمتراً واحداً. فصرخوا من الفرح : (انها مغارة علي بابا التي لا تنضب ابدا ! )

ابتدأ البئر ينتج ذهبه الاسود عام 1932 ، كأغنى مخزون لبئر نفطي في العالم آنذاك. فابتدأتْ قصص البؤس لهذا الشعب المسكين . فعاش المأساة تلو الاخرى و الفجيعة تعقبها الاشد منها قسوة و فتكاً ، بسب اكتشاف جبل الذهب الذي لا ينضب ، او ما يحلو للناس البسطاء تسميته ؛ ( لعنة النفط ) !

تكالبت كل الاطماع البشرية الدولية و الإقليمية و المحلية لامتصاص نفط هذا الوطن و دماء سكانه. اول الضحايا هم سكان المناطق الزراعية ، التي يتم اكتشاف حقلٍ نفطيٍّ بقربها. فتقوم الحكومة بتعويضهم و اجلائهم من مناطق سكنهم او تركهم لمصيرهم الحتمي من التلوث البيئي فيصابون بالأمراض وتهلك محاصيلهم و ماشيتهم. فيتم تعويضهم بمبالغ مالية ضئيلة ، يصرفونها سريعا في علاج الأمراض التي سببتها استنشاق سموم آبار النفط. فأمست أيام حياتهم معدودة ، ليُذبَحوا كقرابين في معبد الطمع البشري القديم بامتلاك المعدن النفيس الخالد ؛ الذهب ؛ الذي تحول الى تنين اسود ، ينفث ناراً و دخاناً !

قامت حروب النفط في الخليج ضد الجيران ؛ ايران و الكويت ؛ و من ثم ضد العالم اجمع. فالحدود بين هذه الدول تحوي نفطاً تعتبر كلف استخراجه هي الادنى  في العالم . فقد كانت عيون النفط تخرج من الارض باكية على مصيرها وتذرف الدمع الاسود الكثيف تلقائيّاً ودون تدخل وسائل الانتاج. فلم يعرفوا في اول الأمر السبب فسموها ، بحقول( نفط مجنون) ! 

تكالبت عليها الشركات العالمية التي استحوذت على ثروات العالم و اخضعت كل حكوماته ، القوية منها والضعيفة على حدٍّ سواء. فأخضعت الدول الغنية بإغراقها بالقروض التي كانت تستدينها من البنوك و المنظمات المصرفية العالمية و اخضعت الدول الفقيرة بمساعدة قيادات دكتاتورية جاهلة بحقيقة اللعبة ، فساعدتها بالوصول الى راس السلطة الحاكمة. واخذوا يسلِّحونها في العلن والسر حتى تنتفخ بأوهام ، انها تمتلك القوة والاسلحة و الجيوش التي سوف تؤهلها لاحتلال البلدان المجاورة ، و اعلان قائدها كإمبراطور لبابل الجديدة ! و حين يكتمل برج بابل في مخيلته فسوف يحطِّمون كل ما بناه بعملية سموها بـ (الترويع والصدمة !). وقد ابتدأت العملية يوم قتلهم لأكثر من عشرة آلاف جندي منسحب من الكويت . ولم تنتهِ بسقوط التمثال في ساحة الفردوس . بل استمرت في كل انفجار و كل اغتيال في الاسواق و الشوارع و الازقة. لم يتركوا  شخصاً او شبراً واحداً في الوطن خارج اطار اللعبة . الكل اصبح هدفا محتملاً. توَّجوا عملهم بـ صناعة الدجال الذي تفنن بقتل و سبي وتشريد آلاف من الرجال والنساء و الاطفال ، الذين ما كان ذنبهم الا انهم عاشوا في ارضٍ سميت قديماً (ارض السواد ) ، تيمناً بل تنبؤاً باكتشاف لعنة النفط !

لم اكن على يقين بحقيقة هذا الاغتيال الاقتصادي للشعوب ، حتى رجوعي الى السويد بأمر من الشركة التي ارسلتني لتمثليها في العراق . فقد أُخضعتُ الى دورة علاج تأهيلي من جديد . بعد ان قامت زوجتي لورا بالتجسس على كل تحركاتي و ادق تفاصيل كوابيسي. وارسلتْ تقريرها الذي ينصحهم بإعادة برمجتي . اتضحت لي حقيقة البرمجة عندما عرفت ان اسم الدكتور (Goody) الذي يعني الشيء المُبهج أو المُفرح ، ما هو الا الاسم الحركي الذي يستتر به الدكتور كودي (Cody) ، وهو الاسم المصغر لاسمه الحقيقي (Codeman) و ترجمته ( المُبرمج ) . فعندما يكون طبيبك يعرف ادق تفاصيل حياتك ، مخاوفك ، أحلامك ، خيبات طفولتك ، كوابيسك فهو يعرف كل مفاتيح شخصيتك و كل خريطة مسارات تفكيرك  و ادق اسرار اللاوعي التي تحرك مخيلتك وتتحكم بردود فعلك. حينها ستكون دمية يسهل تحريكها وتغذيتها بكل ما تريد شركته ، التي هي احدى فروع واحدة من الشركات الشقيقات السبع الكبرى في العالم ، اللواتي يصنعن  قرارات النفط في العالم باسره ، بل قرارات حكومات العالم كله ! 

فما فعلوه معي ، تم تنفيذه بطرق مختلفة مع كل الذين عادوا الى البلاد بعد سقوط النظام . فكنا نختلف فيما بيننا بالتفاصيل الصغيرة ، الا اننا نبقى مشتركين جميعاً بتحقيق هدفٍ مشتركٍ الا و هو بيع البلاد قِطَعاً ، فقطعة الى الشركات العالمية . التي تسمح لنا بالإثراء بكل الطرق المشروعة و غير المشروعة ، كلٌ حسب مستوى تفكيره و درجة يقظة ضميره. و لمساعدة عقولنا المُغيبة في غيها بتفتيت البلاد الى عدة حكومات عميقة ، تقوم كل واحدة منها بالتخندق في الجانب المعادي الى الاخرى في الظاهر. فنشعل حروبا اهلية ، نقود مظاهرات شعبية ، نفضح مؤامرات سياسية و نحوك مؤامرات مضادة ، لكنَّنا في الحقيقة نلتقي عند مصب واحد و نأكل من مائدة واحدة ، و نقبِّل ذات اليد التي لا نرى صاحبها المختفي خلف ستار رقيق ، لا نجرؤ على النظر خلفه خشية ان نتعرف على  ذواتنا المُبرمجة . ونكتشف باننا فقدنا ارادتنا. فنفقد حينها ، قدرتنا على (التمثيل السياسي) ،الذي هو تمثيل مُخادع من قبل ذواتنا المخدوعة و المُخادعة ، وليس تمثيلاً للشعب او للوطن ! كنا نتقن ادوارنا  أمام الشاشات ، ما دمنا لا نعي اننا ممثلون محترفون ! و حين يسدل الستار ستكون نهايتنا قد اقتربت ، عندما تتخلى عنا شركاتنا الراعية . مثلما يحدث الان، ونحن على اعتاب عام 2040 حين اصبحت الحاجة الى النفط محصورة بصناعات محددة بعد استخدام الطباعة الثلاثية الابعاد بشكل واسع .و الاعتماد على تقنيات النانو- تكنولوجي . كما تم الاستغناء عن استخدام البنزين في اغلب وسائط النقل التي انتقلت لاستخدام الطاقة الكهربائية و الشمسية بشكل كأمل . لذا اصبحت الكميات المعروضة في السوق النفطية تفوق ما يطلبه السوق بأضعاف مضاعفة و اصبحت ناقلات النفط التي تقضي فترات طويلة منتظرة  من يشتري حمولتها تتخلص منها بإراقتها في البحر خلسة ، حينما تعجز الحكومات او الشركات  عن تسديد ما بذمتها من مبالغ النقل و الخزن لفترات طويلة ! فأصبحت جرار كهرمانة تنوء بخزن زيتها الذي لا ينضب انتاجه، والذي لا تجد من يشتريه منها ! كل هذا ادى الى انخفاض مخيف في اسعار النفط ، بينما ارتفعت اسعار الكلف لتقترب من اسعار الانتاج بفارق ضئيل ، لا يكفي لتسديد رواتب و مصاريف جيوش الموظفين و العمال و الحراس الأمنيين الذين تم تعيينهم و صرف رواتب المتقاعدين منهم طيلة السنوات السبعة والثلاثين الماضية . فلم يكن هناك من ايرادات متحققة الا من مبيعات براميل النفط الخام ، والتي ستنخفض حتما بعد تسديد مستحقات الشركات الاجنبية وتسديد فوائد ديون البنوك الدولية المتراكمة. حيث قامت الحكومات بالاقتراض مرارا  لدفع رواتب الشعب السياسي و تسديد  كلف بناء المستوطنات النفطية ، التي قامت بتشييدها الشركات الاجنبية العالمية والتي حصلت على عقود ميسرة ، تم على اثرها رهن حقوق و مبالغ استخراج و تسويق و بيع النفط لخمسين سنة قادمة !

تجاوز عدد سكان بلاد وادي الرافدين  قبل أيام قليلة من مطلع عام 2040 ، الستين مليون نسمة . اثر الانفجار السكاني الذي استمر بالتراكم لسنين طويلة . فلم يعد بالإمكان شمولهم بالخدمات الصحية و التعليمية و تزوديهم بالماء النقي و الكهرباء  و صرف الاعانات الاجتماعية  لجميعهم . واصبحت عملية توفير فرص عمل لأغلب الرجال والنساء القادرين على العمل ، أمرا مستحيلا . فعمت البلاد  اعتصامات مليونيه ، سدت طرق النقل و هددت عمل الشركات التي لجأت لتجنيد آلاف من رجال الأمن لحمايتها وصد هجمات المخربين ، الراغبين في نهب كل ما يمكنهم حيازته ، و ابعاد  المعتصمين الراغبين بفرص عمل . زاد توحش الحكومات الكوربوقراطية التي اصبحت تحكم مجمَّعات سكنية محمية  وسط الصحراء . لتحافظ على اراضي الحقول النفطية ، التي انقسمت الى ثلاثة أقسام مركزية هي الجنوبية و الغربية و الشمالية . ضمت كلٌّ منها مساحات شاسعة من المجمعات السكنية المخصصة للعاملين في تلك الشركات . حيث ينقسم العاملون الى ثلاث طبقات . فطبقة المدراء الحاكمين و طبقات الموظفين الدائمين و طبقة الموظفين والعمال المؤقتين . فلا يُسمح لهم بالسكن في تلك المحميات الا بعد اجتيازهم لكافة الاختبارات الأمنية ، وحصولهم على البطاقة الخضراء التي تثبت انهم خالون من الأمراض المعدية . و ان سلوكهم العدواني مسيطر عليه بضمان خضوعهم التأم للرقابة . و تسجيلهم في انظمة التعقب التلقائية عن طريق ربط معلومات اجسادهم البيولوجية بهواتفهم الذكية المربوطة بنظام المعلومات الكبير ( Big Data ).

هكذا رأيت ذلك العالم المجنون هذا اليوم.

رواية سعد الاعظمي ( عين الدجال المصلوبة في منتصف برج بابل ! ) #

لم يكن البغدادي الدجال الا دمية يتم تحريكها من قبل المخابرات الدولية التي تتغيّر وجوهها و جنسياتها ، لكنها في نهاية الأمر تخدم اهداف الشركات العالمية . التي كانت تعاني من كساد في سوق السلاح و انخفاض في اسعار النفط. و في الوقت ذاته هناك تعاظم لخطر الإرهابيين المدعين للجهاد الإسلامي . فكان لابد ان يتم استدراجهم الى اقليم يكون كالإسفنجة المبلَّلة بالدم التي تبتلعهم ، و لكنها لا تقضي عليهم بالكامل . بل تعمل كمكان جاذب لهم باستمرار ؛ و في الوقت نفسه ، تجعلهم تحت المراقبة ، فيمكن السيطرة عليهم حين يلزم الأمر .

ابتدأ اتباع الدجال بالتواصل مع الشباب التائهين روحيا و الحاقدين على الانظمة الحاكمة في بلدانهم او القوى العظمى في العالم . مستخدمين مواقع الانترنيت و وسائط التواصل الاجتماعي لدعوتهم بالالتحاق بهم للجهاد في سوريا والعراق . فتدفق الآلاف من الشباب و الشابات عبر الحدود التركية ، حيث تم تسهيل عبورهم ونقلهم الى معسكرات للتدريب و تزوديهم بأحدث الاسلحة و عجلات الدفع الرباعي. اضحت الموصل و الرقة وباقي المدن التي اجتاحتها التنظيمات  كجنة عدن لكل المهووسين بالجنس و القتل و تناول الافيون . لم يكن على اتباع الدجال الا ان يلبوا الدعوة ، فكل الترتيبات كانت معدة لكي تسقط المدن تباعا بأيديهم. فقد كان الفساد السياسي و الاقتصادي قد فتك بعزيمة و استعدادات المدافعين عن تلك المدن ، فانسحبوا أمام بضعة الاف من حَمَلة الرايات السوداء . الذين ارعبوهم بأصوات ابواق سياراتهم الحديثة و بضعة اطلاقات في الهواء ومناوشات هنا وهناك ، فتركوا مواقعهم و اسلحتهم بعد ما جاءت قادتهم أوامر غير معروفة المصدر بالانسحاب ! ولم تكن تلك كل الحقيقة !

الحقيقة يمكن معرفتها ورؤية كأمل الصورة و القصة ، التي ابتدأت حينما تم تسمية الشيخ ابراهيم الملقب بأبي بكر البغدادي كخليفة للدولة الاسلامية . ارتقى منبر المسجد النوري و القى خطبة ، تم تسجليها دون ظهور احد من المستمعين. ثم اختفى الرجل ، ليبدأ عمل مهندسي داعش الذين تم تهيئتهم كمتخصصين باستخراج النفط و شحنه و بيعه وقبض ثمنه عبر شبكة دولية من المهربين و الحسابات البنكية الوهمية. كيف يمكن بيع النفط وتحويله الى دولارات دون تدخل البنوك الدولية ، التي يمكن رصد تحركات تحويلاتها المالية من قبل أمريكا بسهولة ؟ الجواب : لا يمكن ، الا اذا كان هناك تعاون اقليمي ودولي. وبالطريقة نفسها ، تم بيع آلاف القطع والمعدات العسكرية الى الطرفين المتنازعين طيلة السنوات ، التي تلت دخول داعش الى الموصل. لتعود عجلة الاقتصاد الأمريكي و الدول الصناعية  للدوران و العمل ، و تنتعش الشركات الشقيقات السبع. كانت عين الدجال تستقر في منتصف برج بابل وليس في قمته ، لأنه كان مأمورا بتنفيذ مخطط من قمة البرج الذي تعتليه الشقيقات السبع التي كانت في السابق سبع شركات نفطية ساطعة كنجوم في سماء النفط كما هي الاساطير القديمة ، التي كانت تشير الى انها آلهة تحولت الى نجوم في السماء ! لكنها اليوم أمست نجوما تستولي اذرعها الأخطبوطية على الاستثمارات السبعة التي تشمل : ( الذكاء الصناعي ، التحول الرقمي للنظم المعلوماتية ، الطاقة النظيفة ، التطبيقات البيولوجية المختلفة في تطوير الجينات الحية ، تطبيقات الأنظمة الحاسوبية الهادفة لإنشاء علاقة مهجَّنة بين الآلة و الاغشية البشرية الحية ، استخدام الحروب الفيروسية في السيطرة على العالم ، و اخيرا تطبيقات النانو- تكنولوجي).

برج بابل ، تم تشييده هذه المرة في الموصل حيث ظهرت حضارة أشور بجيشها المحارب المشهور بشراسته. حضارة أشور بكامل عراقتها لم تفسر كيف تحول الدجال الذي كان طالبا مسالما  في جامعة الدراسات الاسلامية و خطيبا في جوامع بغداد ؛ خلال بضعة سنوات ؛ الى مصاص دماء متعطش لسفك الدماء وانتهاك اعراض النساء و مسخ وجه حضارة بلده؟! فاصطبغت افعال اتباعه بوحشية فاقت قدرة الحيوانات المفترسة على الفتك والتمثيل بجثث الابرياء. حيث كانت هذه هي الحلقة الثانية من استراتيجية (الترويع و الصدمة ) !

لم يظهر بعدها البغدادي الا في مادتين فلميتين ، احداهما صوتية و الاخرى مصورة حيث ظهر جالسا يتكلم مع بضعة اشخاص من انصاره ، الذين تم حجب وجوههم الكترونياً ، قبل بث الفلم عبر القنوات الفضائية العربية و العالمية. بعدها حان وقت انتهاء دور الدجال – المهرج ، فتم اعلان تصفيته الجسدية بغارة شنتها الطائرات الأمريكية . بعد ان هُربت زوجات الخليفة ، اللواتي تم الاحتفاظ بهن و اولادهن للمهام القادمة. أما جثة الخليفة المزعوم فقد تم رميها في البحر، بذريعة ساخرة مفادها ؛ الخشية من بناء مرقد له ، قد يصبح قبلة يقصدها انصاره الدواعش ، الذين يُكفِّرون زائري القبور! فعلينا ان نصدق كلما نشاهده من افلام هوليوود ، كفلم افضل دفاع المُنتَج عام 1984 و كفلم الواقع ، (الدجال في بلاد بابل و أشور!) الذي تم تمثيله باستخدام اكبر استوديو واضخم ميزانية في تاريخ السينما الأمريكية ولازال عرضه مستمرا على شاشة سينما بلاد الرافدين!  

هكذا شاهدت ذلك العالم المجنون، هذا اليوم!

رواية سعيد البصري ( السندباد لا يبحر بعيدا ! ) #

“حين تكون اخبار قريتك الصغيرة عنواناً يومياً لنشرات الاخبار العالمية ، فلا تفرح كثيرا ! فلابد ان خيراتها قد اسالت لعاب طمع الكثيرين. ولا بد ان مآسيها قد اسالت دموع الكثير من ابنائها ! هكذا ارى العالم هذا اليوم …” بهذه الكلمات ، كنت انهي النشرات الخبرية و الأفلام الوثائقية ، التي كنت اجتهد بتصويرها و ارسالها الى المنظمة الدولية ، التي يديرها البرلماني الاوربي المقيم في لندن. وبعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الاوربي وجدت نفسي دون عملاً ، بعد ايقاف الدعم الاوربي للمنظمة. فعملت مراسلا للعديد من وكالات الانباء الدولية التي كانت تطلب مني ان ارسل لها الأفلام الوثائقية التي تدين العنف و الاقصاء و التهميش للأقليات. كانت مهمتي تنتهي بأرسال المادة الفلمية . لتبدأ مهمة العاملين في المنظمة الانسانية او الوكالة الخبرية او القناة الفضائية بعمل المونتاج . حيث يبيح عامل المونتاج الحق لنفسه باقتطاع المشاهد التي لا تروق له ، و التي تتعارض مع توجهات المنظمة الانسانية او القنوات الاخبارية. فيُظهر الفلم الوثائقي او المقطع الخبري للمشاهدين وجها مغايرا للحقيقة . فهم يسمحون بانتقاد الحكومات المحلية و انتقاد الانظمة الدكتاتورية ، لكنهم لا يسمحون بانتقاد الديمقراطية و نظام السوق العالمي المفتوح و منظمات التجارة العالمية و صندوق النقد الدولي و المصارف العالمية التي اغرقت اقتصادات الدول بالديون فأفلست الخزانة الوطنية بينما اثرت البنوك والشركات الكبرى الاحتكارية. قل ما تشاء ، الا انتقاد النظام العالمي الجديد. ركِّز على تفاصيل الصورة في بلدك او اقليمك او مدينتك او قريتك ، لكن لا تكبِّر شاشات العرض بعمل ( زووم خارجي على الكرة الارضية بأكملها ) فهذا شيء مستحيل عمليا ، كونك لا تستطيع السفر خارج الغلاف الجوي فهو مقصور عليهم. واذا يتساءل المرء من المقصود ب ( هم ) ! فهذا سؤال يصعب اجابته بدقة كونهم قد انتشروا من اعلى برج بابل الى اسفله. فلا يوجد سوى ( هم ) ، أما غيرهم فلا يوجد له مكان الا في سلة نفايات المجتمع العالمي. في الأماكن الخاصة بالمنبوذين من اصحاب البشرة السمراء او السوداء ، او المصابين بالعاهات و الأمراض أو المعترضين على الانظمة العالمية الراقية . فنجد في قمة البرج هذا ؛ الشركات العالمية ، و في وسطه تعمل الحكومات البوليسية و الاحزاب السياسية او دمى الدجالين الذين يصنعونهم في أماكن و اوقات مختلفة. و في قاعدة البرج العريضة يقع  المشاركون في الشبكة العالمية بكل اصنافهم ؛ من صانعي المعلومات الى مزيِّفيها ، من ناقلي المعلومات الى مستهلكيها . فلا يختلفون عن بعضهم الا في طبيعة وظيفة كلٍّ منهم . فهم جميعا مواطنو الدولة العالمية المدجَّنين سواءً علموا بذلك أم لا. فما ان يعلن احدهم العصيان بانتقاد علني للنظام حتى يتم تصفيته او نفيه الى سلة النفايات المتمثلة بالمناطق المهجورة للمنبوذين ، والتي سوف يتم الاعلان عنها قريبا !

 

كيف عثروا على قريتي الصغيرة في اقصى الجنوب ؟ يصعب على الباحثين تحديد حدود قريتي المتاخمة للحدود مع البحر و باقي الدول . فهي تفصل بين الاراضي الملحية و الاراضي الزراعية. و هي تفصل بين البحر و اليابسة التي لم يصلها الماء العذب منذ سنين طويلة. لا يفصلها سوى عبور الجسر عن مركز المدينة ، لكنها بعيدة عن المدنية بمئات السنين الضوئية حيث يفصلها التجهيل المتعمد لسكان القرية . فكانوا لا يعرفون من المدنية الا قشورها المتمثلة بحصولهم على صحون لاقطة للقنوات الفضائية و اتصال بالشبكة العالمية للمعلومات. حيث استوطنوا عالم افتراضي يمنحهم كل ما افتقدوه في واقعهم العشوائي. فتنقَّلوا في مدنه الخالية من التلوث و انهاره النظيفة التي تحيط بها مناطق خضراء و سماء خالية من الاتربة و الدخان و حقول أمنة من الالغام.

قريتي تمتد كشريط طولي موازٍ للنهر و للحدود الدولية ، بل هي بحد ذاتها حدود بين الخيال و الحقيقة. فهي كما كان يردد حكواتي القرية : (الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود!) ، فيرد عليه بصير القرية : (الباقي فيها ندمان و الخارج منها خسران !). فكنت دائما ، انا ذلك الشخص (الخسران و الندمان). فقد سكنتني قريتي حين هاجرت منها الى شاطئ الأحلام . و خذلتها حين عُدتُ لتصويرها في افلامي الوثائقية التي شاهدها ساكنوا برج بابل بعد مونتاجها المخيب للآمال. فاستنتجوا ، انها مدن للموت حيث لا يسكنها سوى المنبوذين الاشرار. و كنت واحدا من أولئك المنبوذين ، الذين باعوا قصص حياتهم المزيفة من اجل حفنة من الدولارات !

حين اردت الهجرة بعيدا كسندباد بحري معاصر ، فشلت في العودة الى مدينتي الا ببعض الاكاذيب عن العنقاء  العالمية التي تفترس كل المغامرين الصغار. لم ابحر بعيدا الا في مخيلتي و أحلام يقظتي. عدت بعدها الى قريتي ، و احرقت قاربي الصغير و ودعت الحوريات الى الابد. فليس ثمة أمل في هذا العالم ، سوى أمل اخير ان ابقى هنا ، محاولا التكفير عن ذنبي بغسل أقدام ابناء شعبي المبتورة !

يأمن تسألونني كيف رأيت ذلك العالم المجنون ، سأجيبكم بمساحة كبيرة من الصمت الذي سيختم فترة طويلة من ضوضاء نظام التفاهة والزيف !

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *