ابرز المقالات الصحفية

التي كتبت عن رواية إغتيال المدونين

جريدة الوسيط المغاربية الجزائرية
دراسة النقدية لرواية (اغتيال المدونين) للروائي عبدالحسين المطر

بغداد - حمدي العطار
استغرق وقت قراءة ودراسة رواية (اغتيال المدونين) للروائي "عبد الحسين المطر" ما يعادل قراءة عشر روايات! وانا لست نادما فهي تعد بالنسبة لي درسا في السرد والتدوين وتمرين للنقد في مثل هذا النوع من الروايات! 
تحية ابداعية لهذا المبدع في مجال السرد المختلف!

تحتاج قراءة رواية من هذا النوع قارئ تفاعلي يشترك مع الروائي في تذوق وكتابة الاحداث ومعرفة التداخل بين الازمنة (الداخلية والخارجية والذاتية والزمن النفسي والزمن التاريخي) اي القارئ العادي الذي يريد متعة من دون جهد قد لا يكمل مثل هذه الروايات المعقدة والشخصيات المركبة!
عتبة العنوان بحد ذاتها كونت لدي مساحة واسعة من التأمل وارجعتني الى (عصر التدوين) عند العرب اي 150 هجرية بداية ارساء اسس العلوم الحضارية وفي هذه المرحلة الزمنية انتقل العرب من الشفاهية الى التدوين ، تدوين أصول النحو واصول الفقه وتفسير القرآن ، وسميت المرحلة بعصر التدوين وبالتأكيد سبقتها (الكتابة) لكن التدوين اعلى مرتبة من الكتابة فهي التي ارست العلوم والحضارة العلمية. 
اما التدوين في رواية (اغتيال المدونين) للروائي " عبد الحسين المطر" الصادرة سنة الاصدار 2022 من دار أمل الجديدة – سوريا وتقع في 345 صفحة من القطع الكبير اتخذت من عنصر التفاعل اساسا للتدوين وهو مصطلح معاصر مأخوذ من الشبكة العنكبوتية ، مدونات تنزل على شكل pdf او ملفات( ورد) مرفقة بالصور والافلام والموسيقى والفنون البصرية الاخرى السينما والدراما والافلام الوثائقية والفنون التشكيلية.
الغموض في هذه الرواية لعبة ذكية غير مفتعلة الحاجة الى توضيحه يتطلب وجود خبرة في التفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة ابعاد القصص او المحاور للمدونات الالكترونية وتداخلها على الواقع ، قد لا تصل المعلومة كاملة للمتلقي اذا لا يكتشف سر تقنيات السرد في هذه الرواية على الاخص ان الراوي يتحكم في كل شيء وهو الكاتب والراوي بنفس الوقت ، هنا يشعرك الروائي باستخدام الميتا سرد ويقول لك في كل فقرة وسطر (أنا اكتب هذه الرواية) فهل تفقد الرواية واقعيتها بهذا الاعتراف ، ام هي دعوة للقارئ للبحث عن الروابط الالكترونية المذكورة في الرواية لرؤية الصور او الافلام او العوامل المساعدة التي تكمل عملية التدوين الذي يمثل السرد الناقص لأحداث الرواية.

دور الكتابة الترابطية 
اختار الروائي في تقنية السرد (الترابطية) في النص وبشكل مخطط له! لأن الروائي يقرر مسبقا بانه سيكتب نصا مترابطا (أنا رجل عملي لا أهتم بالخيال أو الزخارف اللغوية بل أهتم بتقنية المعلومات)
وبناء على ذلك سيقوم الروائي بتنظيم بنيات النص الذي يكتبه وفق هذا النظام الذي يسمح للقارئ بالانتقال داخل النص تبعا لذلك وليكون النص المترابط مدخل الى جماليات الابداع التفاعلي! لوجود اكثر من سارد (مدون) كما يسمح الروائي بمشاركة القارئ بإبداء رأيه بعد نهاية كل فصل ليكون # إتصل بنا # أكتب تعليقك أو سؤالك (ملاحظة هامة:- معلومات المرسل لن يتم كشفها مطلقا، حيث سيتم تشفير المعلومات الخاصة بإسمه الرقمي، ومعلومات عنوان المرسل (IP) لغرض حمايته من الملاحقة القانونية أو الارهابية.)
اهمية القراءة مثل هكذا روايات وبالتالي ضرورة كتابتها يفصح عنها الروائي قائلا:" على الانسان الا يقرأ إلا تلك الكتب التي توقظه وتغير حياته) فما هي مصادر الكتابة الترابطية والتفاعلية للرواية ؟

مصادر الترابطية
1- شاشة اللوح الالكتروني : السارد احد ابناء المدونين " بدأت بقراءة ما دونه أبي ورفاقه بصوت مسموع لغرض التوثيق الصوت ، مبتدئا بتدوين خارطة موقع المدونات والتعريف بالمدونين بصفحة (من نحن؟) 
2- الكوابيس
له دور في السرد لتوضيح من اصاب احد المدونين من انكسار نفسي واذى جسدي (كاكا مسعود)
"ضع الورقة والقلم أو جهاز التسجيل قرب سريرك وسجل كل شيء فور استيقاظك من الحلم. بدأت بكتابة كوابيس كيرونا التي هاجمتني بضراوة ووحشية "
كابوس ليلة الانسحاب – كابوس أميرة الورد (أمنية الايزيدية)- كابوس ليلة يأجوج ومأجوج 
استحضار الاموات (الام ميادة الحامل المشنوقة وتلد بعد تننفيذ الاعدام - ماما زكية التي تعمل في السجن منظفة ويودع الطفل عندها امانة وتتغير ادارة السجن وتعده ابنها لأنها لم يكن لديها ابناء- الاصدقاء سعد وسعيد) ويعطي الطبيب المعالج لمسعود في السويد توصيفا لهذه الكوابيس (انت من اولئك الناس الذين يدركون أنهم يحلمون اثناء نومهم أو ما اسماه بالحلم الواعي)
3- شاطىء الاحلام / حلم اليقطة – جسد يغلي قرب النهر في كل ليلة قبل النوم يقوم مسعود بهذا الطقس " افتح الاجندة كل ليلة،قبل النوم، لأدون حلم يقظة ذلك اليوم، ثم اغط في نوم عميق دون احلام، فقد استنزفت احلام اليقظة كل طاقتي" وبما ان الزمن في الرواية متداخل بين الماضي والحاضر والمستقبل يقول مسعود " تصفحت الاجندات بعد سنين طويلة كانت تضم مئات الاحلام انتخبت حلمين، احسب انهما كانا نبؤتين شاهدتهما في احلام يقظتي قبل ان يتحققا"

رواية تفاعلية متعبة
اكبر تحدي تواجهه اللغة العربية هو كيفية انسجامها مع الواقع الرقمي على الرغم ما تملكه اللغة العربية من مرونة ما يمكنها من التكيف وفق مقتضيات العصر.
حرص الروائي "عبد الحسين المطر" في رواية ( اغتيال المدونين)على تقنية السارد المشارك
" يمكن للمتصفح الكريم تكوين عدة قراءات، عن طريق ترتيب المدونات حسب ( التاريخ الزمني تصاعديا مرة وتنازليا مرة أخرى أو حسب أسماء المدونين او حسب تغيير روابط الكلمات المفتاحية) فكل قراءة ترسم له خريطة جديدة، للجواب على سؤال الموقع، ( من قتل أبي ؟) ص11
كما خلق الروائي تنوع في الشخصيات وطريقة تفكيرها وأبعاد الشخصيات الثلاثة ( الجسدية والنفسية والاجتماعية) شخصيات كثيرة مع قلة الكتل السردية الخاصة بها" بصير القرية المعلم غير الرسمي- أبو نورا التاجر الكويتي- الضابط العراقي المتعاون مع المقاومة الكويتية- نورا- واخرون).
تجربة كتابة رواية تفاعلية هي نوع من الكتابة التجريبية وهي اول تجربة في العراق ، جاء العنوان مباشرا ، وقد يعني (من يقول الحقيقة يقتل) و(المدونات تمحى) ، وقد تأثر الكاتب كثيرا بمجموعة من الروايات والكتب وهو يخشى ان يتهم بالسرقة او الاقتباس ذكر تلك الكتب في نهاية الرواية ونادر ما يستعين الروائي بالمصادر وهو اضفى مزيدا من الواقعية وصارت كأنها مذكرات بل حتى كتاب المذكرات لا يستعينون بالهوامش ، ذكر فهرست الكتب قللت من الجانب الفني في الرواية" اذا كنت عزيزي المتصفح، تعرف كتابا ذا صلة بموضوعات المدونات فلا تتردد في إرسال نسخته الكترونية لموقعنا ..كما نستقبل الاقتباسات التي تود نشرها في الصفحات الافتتاحية، شرط أن تكون متضمنة لفكرة تسمو بأرواحنا في سماء الاستيقاظ"ص 344 . .
اعتمد الروائي على قساوة الاحداث والمعلومات المذكورة والسؤال هل استطاع الروائي صياغتها فنيا وجعل السرد يرتفع الى مستوى الاحداث وقسوتها؟

استخدام الروابط
يكتب الروائي صفحة معينة ويحولك الى رابط ملف صوتي او فيلمي اي تحول السرد اللغوي الى انواع أخرى الى اللغة البصرية او السمعية! واذا كان ما موجود في الرابط هو نفسه في الورق فلا ضرورة لهذا الرابط واذا كان يختلف ويضيف لنا شيئا جديدا غير الموجود في الرواية الورقية سنكون امام روايتين!

المشاهد المؤثرة
توجد مشاهد في الرواية مؤثرة وقوية مشهد انموذجا دفن المدونين وهم احياء واحدهم يتصور ان امه تأتيه مشهد مؤثر يشبه ما اقرأه في الروايات العالمية وبنفس القدر او اكثر هناك سرد مباشر عن امريكا والمؤامرة الامريكية.

التشابه والاختلاف
اعتمد الروائي عن علم (كتاب الرمل) الكتاب الورقي العادي الذي لا بداية فيه ولا نهاية اي هذا الكتاب لبورخيس يشبه النت لا بداية ولا نهاية القصد من هذه الفكرة هو ان العالم محيط واسع لا منتاهي انها فكرة بورخيس وكتابه كتاب سحري واسطوري كتابه عن المصائر المتداخلة للبشرية كما اشار بورخيس الى مفهوم الصدمة، وحاول الروائي محاكاة هذه الرؤية بشيء من الاختلاف رغم التشابه في السياق!

المفارقة الزمنية
المفارقة الزمنية في هذه الرواية هو ان الروائي عبد الحسين المطر لم يوظف الماضي من خلال الاسترجاع والاستذكار وطريقة السرد يكون بالتدوين لفرض المقارنة او المفارقة الزمنية بين الاسباب والنتائج ويطلق عليها (تودروف) – بالعودة الى الوراء ، وهذا يحدث عادة حينما يكون السرد يمثل الحاضر ، وهذا يساعد المتلقي ان تكتمل عنده الرؤية ، وقد يكون التدوين يتناول الاسترجاع خارجي ( ما قبل بداية الرواية) او التدوين استرجاع داخلي ( يعود الى ماض لاحق لبداية الرواية وقد تأخر تقديمه في النص!)
لكن المفارقة الزمنية المستخدمة في هذه الرواية هي مزيج بين الماضي والحاضر وحتى المستقبل 2040 كنقطة زمنية ترتفع اليها التوقعات فيما يخص جميع مناحي الحياة!" إنه الأربعاء ، الحادي والثلاثون من شهر آب 2005، كان موعدنا مع خالتي أم أمل وابنتها في رحلة هدفها الدعاء لله رب العالمين في البقعة المباركة التي دفن فيها أحد أولياءه الصالحين، في مثل هذا اليوم قبل حوالي 1240 سنة، كان رجلا صالحا، لم يصالح دجال زمانه الذي حاول ترغيبه بالحصول على مغريات الجنة الارضية الكاذبة أو تهديده بسطوته وتجبره العالمي، لم يترك دجال زمانه سجنا إلا وزجه فيه، وكان آخر ما فعله هو قتله مسموما في مثل هذا اليوم، خوفا على عرشه، الذي كان يهتز من دعاء المظلومين من شعوب العالم التي قهرها بالحديد والنار والاكاذيب الدينية، فكان لدعائه استجابة عجيبة شملت كل محبيه وزائريه في حياته وبعد استشهاده، فها أنتم اليوم تشاهدون معنا، الجموع المليونية التي تعبر جسر الأئمة، حيث يمسك الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه بضفة نهر دجلة من جهة الأعظمية ويمسك الإمام الكاظم رضي الله عنه بالضفة الأخرى من جهة الكاظمية، وبينهما يمتد جسر من السلام والوئام والمحبة يسلكه الوافدون إلى مدينة السلام حيث ننقل لكم هذا الحدث الكبير من قناتنا" ص195 هكذا يمهد المدون ليصل الى فاجعة جسر الائمة التي تدخل في سياق الزمن الحاضر على الرغم من انها تمثل الماضي القريب (مجموعة من الشباب يرجعون راكضين عكس التيار البشري صائحين: انتحاري راح يفجر نفسه.. انتحاري ..حزام ناسف..رجعوا بسرعة) وبسبب التدافع المجنون "فقدت أمل وأمها..أخذتني الأمواج البشرية إلى ابعد نقطة في الجسر..كيف سأجدهما في هذا الطوفان البشري المميت..دون ان اعي ، بدأت بالصراخ والبكاء( خالة أم أمل..ولج أمل..وينكم ..وينكم) دفعتني الأمواج من جديد إلى أسفل الجسر..سقطت مغشي علي" ص199 اكتب مدونتي هذه في الذكرى السنوية للفاجعة! هنا لم يذكر رقم هذه الذكرى لأن الجرح مفتوح ولا يندمل ابدا، وتأتي الشهادات متتالية من الطفلة امل ومن والد الشهيد عثمان علي العبيدي ومن المدون المحايد : مسعود كاكا علي.

العالم المجنون
هنا لغة السرد تختلف لأنها تتصاعد من عام 1927 لتصل الى عام 2040 وقد تكون ابرز محاور لهذا القفزة الزمنية هو النفط، الذي يبدأ اكتشافه من قبل البريطانيون في العراق عام 1927 وينتج عام 1932 ، ويصف المدون الذهب الاسود (لعنة النفط) – قامت حروب النفط في الخليج ضد الجيران، إيران والكويت، ومن ثم ضد العالم أجمع، فالحدود بين هذه الدول تحوي نفطا تعتبر كلف استخراجه هي الأدنى في العالم، فقد كانت عيون النفط تخرج من الارض باكية على مصيرها وتذرف الدمع الأسود الكثيف تلقائيا ودون تدخل وسائل الانتاج، فلم يعرفوا في أول الأمر السبب فسموها بحقول (مجنون)!ص265 وحينما يزحف ويتصاعد التدوين الى المستقبل 2040 يتجه السرد الى جنون مختلف (ذاكرتي لتذكر طيور النوارس وهي تحوم فوق سطح المياه لتبحث عن الأسماك وعن بقايا الطعام وتلوث المياه بالمواد الكيماوية وتسرب النفط والنفايات البلاستيكية ومبازل المزارع والمقذوفات البحرية الغاطسة وغير المنفلقة مما خلفته الحروب) وفي عام 2040 يكون الاهتمام الكبير على الطاقات البديلة!
ويتداول السرد بين المدونين (الاصدقاء الطيبين المدونين، سعيد البصري وسعد الاعظمي ومسعود كاكا علي وحفيد تومان الشجاع وشاعرنا المبدع ذو القصيدتين وبصير قريتنا الحكيم! ليتحول الاغتيال الجسدي في العالم الواقعي الى الاغتيال الرقمي في العالم الافتراضي!

الخاتمة 
تتميز رواية" إغتيال المدونين" ببناء فني جديد في مجال السرد ويملك الروائي هاجس القدرة على تقديم رواية تاريخية من خلال واقعية الأحداث وخصوبة الخيال. رواية تستحق القراءة ومزيدا من النقد.